نديم خيالك
قالت الأم: فهمنا لماذا لا تريدين استقبال العريس في البيت
ليراك، ووافقنا أن تذهبي لأبيك في الشركة وتلتقيان لتتم
الرؤية وكأنها مجرد مصادفة غير مرتبة، ولكن لماذا تصرين علي
اصطحاب صديقتك (عفاف) معك ؟
قالت نجلاء: حتي تبدو كأنها غير مقصودة، ذهبت وصديقتي
لأطلب نقودا من أبي للتسوق، شكلها أشيك.
قالت الأم ممتعضة: أشيك، عشنا وشفنا.
قالت آية الأخت الصغرى: اتركيها يا أمي، أنا أفهم ما تريد.
دخل الدكتور (وليد) مقر الشركة الفخم، كان انطباعه أن والده
محق فعلا في وصف ثروة ونجاح الحاج (فؤاد)، وفي الحقيقة
يشعر (وليد) بالامتنان الشديد للعروس التي فضلت اللقاء
المدبر بحيث يبدو عفويا، فهو أيضا يحرج جدا من لقاء الصالونات،
اتجه لمكتب الحاج فؤاد، فوجد بابه مغلقا ، في مكان الانتظار
رأى فتاة تقرأ باستغراق، قال في نفسه ليست بالجمال الذي
وصفته أمي أبدا، مجرد فتاة عادية غير متأنقة، سألها في صوت
روتيني: الحاج موجود ؟
رفعت رأسها عن كتابها في شئ من الدهشة وكأنها فوجئت
فعلا وردت بابتسامة مطمئنة: ما دامت اللمبة الحمراء مضاءة
فهو بالداخل لكنه مشغول.
تغير انطباع وليد علي الفور، كأن شعاعا من النور يومض في
عينيها، ورنة مودة خالصة للعالم أجمع تميز صوتها، وراحة
نفسية تشده إليها، ونبض هاتف في داخله يقول هذه فتاتي.
قال: مشغول حتي بالنسبة لابنته ؟
قالت: نعم والله حتى ابنته.
سألها: كنت مستغرقة في القراءة ؟.
قالت: القراءة هي حاستي السادسة وقدري وربما جزء من
تكويني.
قال: هل يمكنني أن أسألك سؤالا خاصا ؟ من أين أتيت بهذه
الطمأنينة العجيبة التي تحتويك ؟
قالت: لاحظ أنك سألت السؤال قبل أن آذن لك، وهو سؤال لا
أملك له إجابة.
في تلك اللحظة دخلت فتاة رائعة الجمال شديدة الأناقة في
يدها موبايل حديث جدا قالت (تصوري يا عفاف ماما لا ترد و...)
ثم قطعت جملتها عندما وقعت عيناها على (وليد) الذي قدم
نفسه بسرعة (الدكتور وليد مصطفي لدي موعد مع الوالد)
ظهر علي نجلاء بعض الاضطراب خاصة أنها شعرت بشيء من
القبول تجاهه، فهو وإن لم يكن وسيما جدا إلا أنه واثق بنفسه
معتدا بنجاحه بغير غرور.
كانت المقابلة مع الحاج (فؤاد) روتينية للتعارف ولم تتطرق لأي
حديث عن الزواج أو الأمور الخاصة وكأنها زيارة عابرة من شاب
لصديق والده، وعندما عاد (وليد) للبيت كان أهله متلهفين
علي النتيجة فقال (نجلاء ابنة الحاج فؤاد فتاة رائعة الجمال
شديدة الأناقة كما قالت أمي فعلا، ووالدها رجل أعمال داهية
ويستحق ما وصل إليه وأكثر ولقد سعدت بمعرفته حقا، ولكن لا
أريد الزواج بابنته، فهي فتاة فاخرة أكثر مما أحتمل، وثرية أكثر
مما أحتاج، ولكن الجانب الجيد في الأمر أنني التقيت بصديقتها
(عفاف) وهي التي تناسبني وأتمنى الارتباط بها، فهي
بسيطة المظهر وتتمتع بالعمق الإنساني الذي طالما أسرني
وسحرني كلما عثرت عليه داخل نوعية نادرة من البشر،
جوهرة ثمينة لا يعرف قيمتها الكثيرون)
بعد أخذ ورد وشرح واعتراض قال والده مبتسما وهو يربت علي
كتفه (طالع فقري مثل أبيك).
لم تطل فترة الخطوبة وفي كل يوم كان انطباع (وليد) الأول
يتأكد، هناك رابط رباني يجمعه بتلك الفتاة، كلامها ترجمة
لأفكاره، أحلامها راودته سابقا، رؤيتها للحياة تكمل وتعمق
رؤيته، حتى الاختلافات بينهما تعبر عن تنوع يحدث ثراء ويشيع
البهجة في نفسه، أما المدهش فهو أن يفكر أو يتخيل شيئا
فيجدها تقوله كأنما تشاركه حتى الخيال، ... (نديم خيالك) أين
قرأ أو سمع هذه الجملة من قبل ؟ يراوغه التذكر ربما كانت
شطرا من بيت شعر أو وصفا رومانسيا لبطل روائي، المهم أنه
يشعر بالمعني اليوم وأن المقصود به هو (عفاف) حتى اسمها
له وقع مميز في سمعه.
في حفل زفاف (عفاف) و(وليد) تألق جمال عفاف بعد أن
كستها السعادة بريقا محببا.
حضرت (نجلاء) ووالدتها وأختها (آية) الحفل فهم في الحقيقة
أسرة متسامحة ولم يكن هناك مبررا لغير ذلك.
بعد انتهاء حفل الزفاف والعودة للبيت سألت الأم ابنتها الصغرى
(آية) (لمجرد العلم بالشيء يا ابنتي، قلت لي أنك تعرفين
سبب إصرار أختك علي اصطحاب صديقتها في مقابلة التعارف
فما هو ؟)
قالت آية في شيء من الخجل (تعرف نجلاء أنها جميلة ومميزة
جدا ولذلك كانت تحب الظهور بجوار (عفاف) لتظهر جمالها
وتميزها وقالت لي يومها (عفاف مجرد برواز يظهر محاسني
ويبين الفرق بيننا في كل شيء )