الاقتصاد الإسلامي
الخطبة الأولى :الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب , شديد العقاب ذى الطول , لا إله إلا هو و إليه المصير , أحمده سبحانه وأشكره , و أتوب إليه و أستغفره , و أشهد ان لا إله إلا الله وحده لاشريك له , وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله , بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد فى الله حق جهاده حتى آته اليقين , فصلوات الله وسلامه عليه , وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين
أمّا بعد:
فإنَّ الوصية المبذولةَ لي ولكم ـ عبادَ الله ـ هي تقوَى الله سبحانَه ومُراقَبتُه في السّرِّ والعَلَن، فاتقوا الله عِبادَ الله، وأتبِعوا السيئةَ الحسَنَة تمحُها، وخالِقُوا الناس بخُلُقٍ حَسَنٍ، ((إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ)) [يوسف: 90].
أيُّها النَّاس، المالُ في هذِهِ الدّنيا شريَانُ الحياةِ التّنمَويّ المادّيّ، كما أنَّ الشَّرعَ والدين شريانُ الحياة الروحيّ والمعنويّ. وللمالِ في نَفسِ الإنسانِ حَظوَةٌ وشَرَه وتطَلُّبٌ حثيثٌ، إذا لم يُحكَم بميزانِ الشّرع والقناعةِ والرّضَا فإنه سيَصِل بصاحِبِه إلى درجةِ السّعارِ المسمُومِ والجشَع المقيت. ولا جرَم عِباد الله، فإنّ حبَّ ابنِ آدمَ للمَال ليسرِي في جَسَدِه سَرَيان الدّم في العُرُوق، كيفَ لا والله جلّ وعلا يَقولُ عنِ ابن آدم: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) [العاديات: 8] أي: المال، ويقول سبحانه عَن جماعةِ بَني آدَم: ((وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّ)) [الفجر: 20].
ومِن هذا المنطلَق تَنافَسَ الناسُ سَعيًا تِلوَ سَعيٍ في تحصِيلِ هَذَا المالِ، وَكَدْحًا تلوَ كَدْحٍ في لَمْلَمَةِ المستَطَاعِ من هذا البرّاق الفاتن، غيرَ أنَّ صِحّةَ مثلِ هذا الكدح أو فسادَه وحصولَ الأجر فيه أو ذهابَه لمرهونٌ بحُسنِ القَصدِ والموْرِد فِيهِ أو بسوئِهما معًا، وفي كلا الأمرَين يقول سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ)) [الانشقاق: 6]؛ لأنَّ المالَ سلاحٌ ذو حدَّين، فهو لأهلِ الإسلام والإيمانِ وحُسنِ القصدِ به نِعمةٌ يحمَدونَ الله تعالى عليها صباحَ مَساء، وهذه هي سِيمَا الأمّةِ الخيرية: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة: 274]. وهو لأهلِ الكُفرِ حَسرةٌ وبَلاء مهما تعدَّدت مَصادِرُه وكثُر توافُره؛ لبُعدِهم عن وضعهِ في موضعه، وما ذاك إلاّ ليَكونَ ندامةً ووبالاً عليهِم كما قَالَ تَعَالى: ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) [آل عمران: 178]، فإنَّ مُعظَمَ أوجُهِ الإيرادات والصَّادِرات لَدَى مَن كفَر بالله وبرسولِه صلى الله عليه وسلم منصبّةٌ فيما حرَّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مِنْ أخذِهِم الرِّبا وأكلهم أموالَ الناس بالباطِلِ والصدِّ عن سبيل الله، وتلك ـ لعمرُ الله ـ هي الحسرةُ والندامة، ولات ساعةَ مَنْدَم، ولَيسَ بَعدَ الكُفرِ ذَنبٌ، ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)) [الأنفال: 36].
وإنَّ مما يَدُلّ عَلَى أهمّيّة المالِ في حَياةِ الفردِ والجماعة وُرودَه في القرآنِ متصرِّفًا مَدحًا وذمًّا في أَكثرَ من ثمانين موضعًا.
أيّها المسلِمونَ، إنّ الشريعةَ الإسلاميةَ الغرَّاء جاءَت حاضَّة على عِمارةِ الأرض وتَنميِتها اقتصاديًّا بما يَكونُ عَونًا على أداءِ حقّ الله فيها، فَلَقَد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قَامَتِ الساعة وفي يدِ أحدِكم فَسِيلةٌ فاستطاعَ أن لا تقوم حتى يغرِسها فليغرسها، فله بذلك أَجر)) رواه البخاري في الأدب المفرد[1].
ومن هنا فقدْ حَرِصَ الإسلام أشَدَّ الحِرص على توفيرِ ضماناتٍ أو رَكائز لتَحقيقِ هذه التَّنميَة الاقتصادية واستمرارها، ولعل من أبرزِها تحقيق الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المستقلَّة لدى المجتمع المسلم؛ ليكون قائدًا لا منقادًا، ومَتبوعًا مِنْ قِبَلِ غيرِه لا تَابعًا. والاستقلالُ الاقتِصاديّ يعني بداهةً نفيَ التَّبعيةِ الاقتصاديّة للأجنبيّ، ويعني سيطرةَ المجتمع المسلِم على مُقدَّراتِ بِلاده الاقتصاديّة دون تدخُّلٍ أجنَبيّ؛ لأنَّ فُقدانَ السيطرةِ الاقتصاديّة فقدانٌ لما عداه من السيطرَة السياسيةِ والعسكرية والاجتماعيّة والثقافيّةِ؛ ولذا فإنّ التَّنميةَ الاقتصاديَّة لدى المجتمع المسلِمِ لا يمكِن أن تَتِمّ دونَ الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المحلّيّة المعتَقَة من رقِّ الأجنبيّ لها.
إنَّ الأمَّةَ الإسلاميّةَ في هذا العَصرِ لتكتوِي بلهيبٍ منَ الفوضَى الاقتصادية والضَّعف التنمويّ، كما أنها تعيش فَسادًا اقتصاديًّا يدبّ دبيبًا ويتسلَّل لواذًا بين الحِينِ والآخَر عبرَ منافذِه الرَّئيسة في المجتمعاتِ المسلِمَة، وَهِي منافذُ التَّسلّل الفردِيّ والمؤسَّسي والمنتَظم. وإنَّ اتساعَ مِثلِ هذهِ المنافذ لَكَفيلٌ بتفعيل البَلبَلَة والخلخلَة المسبِّبين عَدمَ الاستقرار السِّياسيّ والاجتماعيّ، والنتيجةُ التالِيَة لمثل ذلكم تخلّفٌ ذَريع في السوق الماليّة والنّموّ وضَعفٌ اقتصاديّ فادح بالمسلمين.
وإنَّ كثيرًا من الدِّراسات الحديثةِ لتؤكِّد وُجودَ علاقةٍ عكسيّة بين الفساد الاقتصاديّ والنّموّ. ومن هنا فإنّ الأمّةَ الإسلاميّة لو أخذَت بِالمعنى الحقيقيّ للاقتصادِ الإسلاميّ لما حادَتْ عن الجادَّة، ولما عاشَت فَوضَى التخبُّط واللَّهَث وراءَ المغريَات المالية من خلالِ التهافُت على ما يُسمَّى بالبورصَة والمرابحات الدوليّة التي لم تُحْكَمْ بالأُطُر الشرعيّة، وفوضَى التّخبّط أيضًا في سوءِ الموازَنَة وعَدَم إحكامِ القروض المالية في الحاجيات والتحسينيّات؛ ما يُسبِّب تراكمَ الدّيون على مجتمَعاتٍ لا تُطيق حملَها؛ ولذا فإنّ التنميّة الاقتصادية الإسلاميةَ لا تعترِف بِتَنمية الإنتاجِ الاقتصاديّ بمعزِل عن حُسن توزيعِه، كما أنّ جهودَ وأهدافَ الاقتصاد الإسلاميّ يجب أن تكونَ مُصاغَة بعنايةٍ فائقة للقَضَاءِ قدرَ الطاقة على فَاقَةِ الفرد المسلِم وبطَالَته وأمِّيّته ومعاناتِه السّكنيّة والصّحّيةوالغذائيّة.
ولو تأمَّل الناس حقيقةَ المفهوم الاقتصاديّ الإسلامي لما وقعوا في مثلِ هذه الفوضَى ومثل ذلكم التخبّط؛ لأنَّ كلمةَ الاقتصاد في الأصلِ مأخوذةٌ من القَصد، وهو الاستقامةُ والعَدل والتَّوازُن في القولِ والعمل، وفي الإيراداتِ والصّادرات، وفي الكَسب والإنفاق. فالاقتصادُ الإسلاميّ هو في الحقِيقةِ توازنٌ في التنمية واعتدالٌ في السوقِ الماليّة، يحمل المجتمعَ المسلم إلى الاعتدالِ والموازنَةِ دون إفراطٍ أو تفريط؛ ولِذا ـ عِبادَ الله ـ كان وَاجبًا على المجتَمَعات المسلمة أن تَسعى جاهدةً إلى أَسلَمَة الاقتصادِ والتنمية من خِلالِ توحيد المصدر، وهو كتاب الله وسنّةُ رَسولِه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ العقيدةَ الصَّحيحةَ وصِحّة المصدَر كفيلان في إحسانِ تَشغِيلِ الملكيّة على مستوَى الأفراد والشعوب.
وقَد يَتَعَجَّب بعض السُّذَّج من مثلِ هذا الطَّرح نظرًا لفَهمِه القاصِر على أنّ الاقتصادَ يخضَع لضَوابِط ومعايير تُتَرجَم في صِيَغٍ رِياضيّةٍ فحسب، كلا بل إنّ النظام الاقتصاديَّ المهيمن في عالمنا المعاصِر كانَ في الأصل قد وُجِد في بيئةٍ ملائمةٍ له لدى غَير المسلِمِين، وذلك بعدَ أن تغيَّرت لديهم مجموعةُ المبادئ والقِيَم التي كانَت تحكم تفكيرَهم وسلوكَهم، وذلك بأخذِهم بالفلسَفَة الفَرديّة كحَلَقةٍ فلسفيّة تحكم الغير وتحدُّه بمعيار المصلحة الخاصّة دونَ النظرِ إلى ما سِوى تِلكمُ المصلحَة من ناتجٍ عامّ. ومن هنا صارَتِ النظرة الأجنبيّة للاقتصاد مذبذبةً بين تحليلٍ اشتراكيّ وتحليلٍ رأسمالي. وهذا دَليلٌ واضح على تأثيرِ الاعتِقَاد أيًّا كان نوعُه على التنمِية الاقتصادية.
ولذا فإنَّ التقدُّم الحقيقيّ في دِراسة الاقتصادِ الإسلاميّ إنما يجيء في الدّرجَة الأولى من خلالِ رَبطِه بالقيَمِ والمبادئ الإسلاميّة، والاحتفاظِ له بالصِّبغة التي أرادَها الله، وعدمِ مَسخِه وتشويهِهِ بوضعِه في قوالِب الاقتصادِ الوضعيّ.
ومما يَدلُّ على ما ذكرناه بأنَّ الإسلام ينظر إلى النَّشاطِ الاقتصاديّ المتعلّق باستِخدَام الملكيّة والتصرّف فيها على أنه محدودٌ بما شَرَعَ الله وما نهى عَنهُ هو قولُه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)) [البقرة: 278، 279]، بل قَد جَاءَ في الشّرعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أنّ فسادَ حالِ المسلِمين وذلَّهم وضعفَهم وتمكّنَ عَدُوِّهم منهم قد يَكون بِسَبَبِ ما يَرتَكِبونه من مخالفاتٍ في مجالات السوقِ الماليّة، فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضَنَّ النّاسُ بالدينار والدِّرهم وتبايَعوا بالعينة وتبِعوا أذنابَ البقَر وتركوا الجهادَ في سبيل الله أنزَلَ الله بهم ذلاًّ، فلم يرفعه عنهم حتى يُراجِعوا دينَهم)) رواه الإمام أحمد ورجاله ثقات[2].
وبعد يا رعاكم الله، فإنّ الاقتصادَ الإسلاميَّ ليحتاجُ في النّهوضِ به إلى المستوَى المطلوبِ إلى جهودِ المخلِصِين من العلماءِ وأهلِ الاقتصاد، ومُساهمتهم الجادّة في إيجادِ المِفتاح المدخَلِيّ للاقتصادِ الإسلاميّ الصحيح، مع مراعاةِ فِقهِ هذه المعضِلة في تَركِيبها الواقعيّ وتشكيلها الاجتماعيّ، وكذا مُراعاة الخضوعِ للخطوَاتِ المشهورة في كلِّ دراسة جادّةٍ، وهي أن تُبنَى على الملاحَظَة أوّلا، ثمّ الافتِراضِ ثانيًا، ثمّ التَّجريب والوصول ثالثًا، أو بمعنى آخر: تخضَع لاستخدامِ المنهجِ الاستقرائيّ والاستنباطيّ بهدَفِ الوصول إلى كشفِ العلَّةِ الكامِنَة والسّببِ القابِع وراءَ ضُمُور الاقتصادِ الإسلاميّ في مقابِل ضدِّه. وهَذَا الأمرُ يتطلَّب مِنّا أن نَبحَثَ في المنهجِ النبويّ كَسَبيلٍ أسَاسٍ لكشفِ سنَنِ الهداية والإرشادِ وتجنُّب قتل النّفس بالممارسة السلبيّة للاقتِصاد، انطِلاقًا من قوله تعالى: ((وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ)) [البقرة: 275]، وقولِه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمً)) [النساء: 29].
بارَكَ الله لي ولَكم في القُرآنِ العَظِيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحَكيم، قد قُلْتُ ما قُلْتُ، إن صَوابًا فمِن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنّه كان غفّارًا.
الخطبة الثانية :الحمد لله وَحدَه، والصَّلاةُ والسَّلام على من لا نَبيّ بَعدَه.
وبعد: فاتَّقوا الله مَعَاشرَ المسلِمين، واعلَموا أنَّ المشكِلاتِ الاقتصاديّةَ التي يواجِهها العالم الإسلاميّ اليومَ ما هي إلا بسبَب غِيابِ المنهجِ الاقتصاديّ الإسلاميّ الصّحيح، والذي يتناول تنظيمَ جَوانبِ النّشاط الاقتصاديّ في الحياة العامّة بالعدل والتعاون والتكافل والإحسان، التي من خِلالها تَتَحقَّق المصالح للأمّة وتُدْرَأُ المفاسِدُ عنها. وإنَّ التطبيقاتِ المعَاصرةَ في المؤسَّساتِ الماليّة الإسلاميّة في مجالِ المصَارِف والتأمين لفي حَاجةٍ ماسّة أيضًا إلى إِدراكِ المجتمعاتِ والحكومات والسّلُطات الرَّقابية لقيمَتها والأثر الإيجابيّ في دعمِها وتوجيههما.
وإذا ما أردنا إذكاءَ مثل ذلكم النّشاط الاقتصاديّ الصحيح فعلينا جميعًا أن لا نهمِلَ عُنصُرَين مهمَّين في هذا الميدان، ألا وهما: عنصرُ الزكاة وعنصر الوقف؛ إذ بهما يتَحقَّق الدَّعم اللاَّمحدود لِتحقِيقِ الأمن الاقتصاديّ والاجتماعي للأمّة.
يضاف إلى ذلكم ـ عِباد الله ـ الوعيُ التامّ في التعامل مع العَولمة الاقتصاديّة، والتي أصبَحَت واقعًا يَفرِض نفسَه على العالم أَجمع؛ ما يؤكِّد التَّعاونَ الاقتصاديّ البنّاء بين الدّول الإسلاميّة لزيادةِ التّبادُل التجاريّ بينها وإِنشاء سوقٍ إسلاميّة مشترَكَة تُنافِس الأسواقَ الماليّة العالميّة؛ لأنَّ مُستقبلَ المسلِمين يجب أن يُصْنَع في بِلادهم وعلى أرضِهم بكَدحِهم وأخلاقِهم حتى لا يقَعوا فريسةً لأخلاقِ التّسوُّل الفكريّ الاقتصاديّ بكلّ صنوفه في طاقاتهم ومقَدَّراتهم؛ لأنَّ أيَّ أمّة تَبنِي مستقبلَها على مِثل ذلكم التّسوُّل فهي أمّة ضائِعة في تِيهِ التسوّل على الاقتصاد الأجنبيّ، فأنَّى لها حينئذ الاستقرارُ والظهور؟! ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)) [الملك: 15].
هذا وَصَلُّوا ـ رحمكم الله ـ عَلَى خيرِ البريّة وأزكَى البشريّة محمّد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بِنَفسه، وثنَّى بملائكتِه المسبِّحة بقدسه، وأيَّهَ بكم أيها المؤمنون، فقالَ جَلّ وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً)) [الأحزاب: 56].
اللّهمّ صلّ وسلّم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمّد صاحب الوجه الأنوَر والجبين الأزهر، وَارْضَ اللّهمّ عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابةِ نبيّك محمّد صلى الله عليه وسلم...