زاهر سيد حسن Admin
عدد المساهمات : 173 نقاط : 24761 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 21/07/2011 العمر : 28 الموقع : زاهر 2012
| موضوع: الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدين الجمعة يوليو 29, 2011 6:37 pm | |
| الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدين
الشيخ خالد بن عبدالله المصلح الخطبة الأولى:
أيها المؤمنون إن من المقاصد الكبرى لدين الإسلام إتمام صالح الأخلاق وإكمالها قال الله تعالى: ﴿لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾([1]). وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))([2]) رواه أحمد. فالأخلاق أيها المؤمنون أمرها في الشريعة عظيم وشأنها كبير فبقدر ما معك من طيب الأخلاق وكريم السجايا والآداب بقدر ما يكون معك من استقامة الدين فالدين كله خُلق فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في الدين فحسن الخلقِ، دين رب العالمين وهدي سيد البشر وخاتم النبيين ولذلك قال الله تعالى في وصف خاتم النبيين: ﴿وإنك لعلى خلُق عظيم﴾([3]) وحُسن الخلق أيها المؤمنون هو صفة عباد الله المتقين و به تحصّل الدرجات وترفع المقامات وتتحقق المقاصد والغايات. حُسن الخلق يا عباد الله واجب أمر الله به المؤمنين فقال الله رب العالمين: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾([4]). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن))([5]) رواه أحمد. أيها المؤمنون إن الدين القويم والإيمان الراسخ قوة عاصمة من دنايا الأخلاق وسيئها وهو قوة دافعة إلى طيب الأخلاق وشريفها ولذلك ما أكثر ما يقول الله تعالى في كتابه المبين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ثم يذكر بعد هذا النداء لأهل الإيمان أمراً بالأخلاق الفاضلة كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾([6]). أو نهياً عن أخلاق سيئة رديئة كقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكُنَّ خيراً منهُن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾([7]). وهذا يوضح لنا أيها الإخوة الكرام أن الإيمان القوي يلد الخُلق القويم والسلوك المستقيم وأن أي اختلال في أخلاق الناس أو نقص في آدابهم يرجع إلى ضعف الإيمان وقلة الدين وإليك بعض الأمثلة التي تبين الارتباط الوثيق بين سوء الخلق وضعف الإيمان والدين. فالرجل الذي يكذب في أقواله وأعماله ليس صادقاً في إيمانه فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، والرجل الذي يؤذي جيرانه ويرميهم بالسوء قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه))([8])، والرجل الذي أطلق للسانه العنان يتكلم في الأعراض ويؤذي العباد بالغيبة والنميمة والفُحش وسيئ القول لم يحقق إيمانه: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، والرجل الذي عبس وجهه واكفهر و محا عن وجهه البسمة الرقيقة الحانية ورسم عليه النظرات المريبة والكشرة القبيحة لم يبلغ درجة المؤمن الصادق في إيمانه ودينه: ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)، ( والكلمة الطيبة صدقة)، والرجل الذي بخِل بالسلام وأخلى قلبه من محبة أهل الإسلام وملأه بالحقد والغل والآثام لم يحقق الإيمان ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))([9]). وهكذا أيها المؤمنون يمضي الشرعُ المطهر في بناء الأخلاق وغرس الفضائل معتمداً في ذلك على صدق الإيمان بالله تعالى فكلما زادت الفضائل والأخلاق المستقيمة في العبد كان ذلك دليلاً على صحة إيمانه وسلامة دينه ففي الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً))([10]). وقال صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً))([11]). فالإيمان والدين والأخلاق والآداب عناصر متماسكة لا يستطيع أحد تمزيق وشائجها وصلاتها. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون اتقوا الله تعالى وذروا ظاهر الإثم وباطنه فإن حُسن الخلق الذي أمر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليس ابتسامة باردة ولا آداباً ظاهرية زائفة بل هي آداب وفضائل يبتغي بها المؤمن وجه الله تعالى يوافق فيها الظاهر الباطن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) متفق عليه([12]). وهذا أمر مهم ومعلم كبير يميز أخلاق أهل الإسلام عن أخلاق غيرهم. فحُسن الخلق الذي يطالب به أهل الإسلام سلامة في الظاهر ونقاء وصفاء في الباطن. أيها المسلمون إن القاعدة الكبرى التي تنبثق منها فضائل الأخلاق وتصدر عنها مكارم الآداب هي قول الله تعالى: ﴿خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين﴾([13]). فهذه الآية تجمع حُسن الخلق على وجه الكمال فهي تأمر بإيصال الخير إلى كل أحد من المسلمين وتحث على تحمل الجنايات والعفو والصفح عن الزلات وتأمر بمقابلة السيئات بالحسنات. أيها المؤمنون إن من القضايا الكبرى التي تحتاج إلى تنبيه متصل ونصح دائم لترسخ في الأفئدة والأذهان أن المسلم الذي يقوم بما فرض الله عليه من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من الواجبات الشرعية ثم هو بادي الشر كالح الوجه قريب العدوان سيئ الأخلاق ليس امرأً تقياً بل مفلسٌ عصيٌّ ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال صلى الله عليه وسلم مصححاً مبيناً: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار))([14]). فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على شرائع الدين وأركان الإسلام وخذوا بفضائل الأخلاق ومكارم الآداب فإن العبد يبلغ بحُسن خلقه درجة الصائم القائم.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سورة: آل عمران: آية (164) .
([2]) هذا الحديث جاء بألفاظ متقاربة منها : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) ((إنما بعثت لأتمم مكارم حسن الأخلاق )) وهي من قبيل اختلاف التنوع الذي لا يقدح في صحة الحديث ؛ هذا وقد أخرج الحديث : أحمد (8595) ؛ و الحاكم في "المستدرك" (4221) والبخاري في "الأدب المفرد" والبيهقي في "السنن" وغيرهم من طريق عبدالعزيز بن محمد الداروردي عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي هريرة ... فذكره قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وتابعه الذهبي . قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح . قال ابن عبدالبر : هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع (23490) ؛ وأخرجه : ابن أبي شيبة (31773) عن زيد بن أسلم مرسلاً من طريق معاوية بن هشام عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم
([3]) سورة : القلم : آية (4) .
([4]) سورة : الأعراف:آية ( 199) .
([5]) أخرجه : أحمد ( 20392) ، والترمذي (1910) وغيرهما.
([6]) سورة: التوبة: آية (119).
([7]) سورة: الحجرات: آية (11).
([8]) أخرجه: مسلم (66) .
([9]) أخرجه: مسلم (81) .
([10]) متفق عليه : البخاري (3295) ، ومسلم (4285) .
([11]) أحمد (7095) ، والترمذي ( 1082) وغيرهما.
([12]) متفق عليه : البخاري (12) ، ومسلم (64) .
([13]) سورة: الأعراف: آية (199).
([14]) أخرجه: مسلم (4678) وغيره.
| |
|