إضاعة الصلاة الشيخ خالد بن عبدالله المصلح
الخطبة الأولى أما بعد..
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾( [1]) .﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾( [2]).
عباد الله إن الصلاة عماد الدين وعصام اليقين هي ناصية القربات وغرة الطاعات وخير الأعمال قال صلى الله عليه وسلم
(رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))( [3])رواه أحمد وغيره بإسناد جيد . أيها المؤمنون إن الله تعالى أمركم بإقامة الصلاة والمحافظة عليها وقد حثكم على ذلك نبيكم صلى الله عليه وسلم فقال
(من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف))( [4]) رواه أحمد وغيره بإسناد لا بأس به.
أيها المؤمنون ! إن الله جلّ وعلا توعد المضيعين للصلاة بالإثم والغي والتورط في الشهوات والآثام فقال عز وجل:﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾( [5]) أي فسوف يلقون خسراناً وشراً وعذاباً أليماً شديداً.
عباد الله إن إضاعة الصلاة من أعظم الكبائر وأكبر الآثام : ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾( [6]).
أيها المؤمنون إن لإضاعة الصلاة صوراً عديدة إلا أن أعظمها ذنباً وأخطرها جُرماً وأشدها عقوبة وأسوأها عاقبة تركُها بالكلية والعياذ بالله فترك الصلاة أيها المؤمنون كفر بالله العظيم انخلاع من الدين وانسلاخ من عبودية الله رب العالمين وهي والله العظيم نكبة كبرى ومصيبة عظمى أن يقطع العبد صلته بمولاه الذي خلقه فسواه ومن كل نعمة أعطاه فترك الصلاة والمحافظة على تركها لا يكون ممن في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان بل لا يصدر ذلك إلا من قلب عشش فيه الشيطان فرخ فيه وباض فحال بينه وبين ذكر الله تعالى وشكره كما قال جل وعلا :﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾( [7])أيها المؤمنون لما كانت هذه حال المعرض عن الصلاة التارك لها،قال من لا ينطق عن الهوى قال صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة))( [8]) رواه مسلم. وفي رواية الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم
(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))( [9])وقد أجمع خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء، أجمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفر تارك الصلاة فعن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. رواه الترمذي بإسناد جيد .وقد قال عمر رضي الله عنه المحدَّث الملهم : لا إسلام لمن لم يصل. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :من لم يصل فقد كفر . فكفر تارك الصلاة يا عباد الله أمر أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم وجعله الله تعالى سبباً لدخول النار فقال تبارك وتعالى في ذكر أسباب دخول النار والخروج عن زمرة الأبرار: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ .قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ.وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾( [10])فهذه أربع صفات أخرجتهم من زمرة المفلحين وأدخلتهم في جملة الهالكين: أولاها ترك الصلاة ثم ترك إطعام المسكين ثم الخوض بالباطل ثم التكذيب بيوم الدين. وقد ورد الوعيد يا عباد الله في حق من ترك صلاة واحدة فقال صلى الله عليه وسلم : ((من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ))( [11]) متفق عليه. فكيف بمن ترك الصلاة تلو الصلاة أليس هذا أحق بالحبوط والخسران؟ أيها المؤمنون إن من إضاعة الصلاة تأخيرها عن وقتها فإن الله جل وعلا فرضها موقتة كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً))( [12]). فالصلاة لها وقت لا تصح إلا به لا يجوز تأخيرها عنه كما لا يجوز تقديمها عليه فمن أخل بهذه الأوقات تقديماً أو تأخيراً فقد جاء حوباً كبيراً قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ . الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ.وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾( [13]) فليت شعري ليتني أعلم أين هؤلاء المستهترون الساهون الذين يؤخرون الصلوات ولا يحافظون عليها أين هؤلاء من هذه الآية؟ أهم عنها غافلون ،أم هم في غيهم يعمهون ،أم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الحي القيوم ؟فاتقوا الله عباد الله حافظوا على هؤلاء الصلوات في أوقاتها فإنها منار الإسلام فسطاط الأديان من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. عباد الله إن من إضاعة الصلاة عدمَ إقامة واجباتها وأركانها فإن الله جل وعلا جعل من علامات النفاق وسماته الإخلال بأمر الصلاة فقال جل وعلا :﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً﴾( [14]) وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً))( [15]) فهذا يا عباد الله يدل على أن عدم إقامة أركان الصلاة وواجباتها من علامات النفاق فاتقوا الله عباد الله حافظوا على الصلاة وصلوا كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقوموا لله قانتين خاشعين راغبين راهبين.
الخطبة الثانيةأما بعد..
أيها المؤمنون اتقوا الله واعرفوا قدر هذه العبادة الجليلة فإن قدر الدين في قلوبكم بقدر ما يقوم بها من تعظيم الصلاة والعناية بها فإن للصلاة عند الله منزلة عظيمة ومازال رسول الله يوصي أمته بها حتى وهو في سكرات الموت فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو في الرمق الأخير: الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره ولا يفيض بها لسانه. وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة). وقال رحمه الله: فاعرف نفسك يا عبد الله احذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك فاعرفوا أيها المؤمنون منزلة هذه العبادة حافظوا عليها في أوقاتها أتموا ركوعها وسجودها حافظوا عليها في المساجد فإنها من شعائر الدين التي أمركم الله بها حيث قال:﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾( [16]) وأمر بها حتى مع القتال والحرب فقال تعالى:﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً﴾( [17]) فكان الصحابة إذا جاء وقت الصلاة تركت منهم طائفة القتال وقاموا لله قانتين : يدعون ربّاً بالفواضل أنعما
فما بالكم يا من تتخلفون عن صلاة الجماعة يسمع أحدكم داعي الله حي على الصلاة حي على الفلاح وهو مقيم آمن فلا يحرك ذلك النداء فيه ساكناً بل هو في شغله أولهوه؟ أما سمع هذا المستهتر بما قال ابن مسعود: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. فاتقوا الله أيها المؤمنون حافظوا على الصلوات واستكثروا من الصالحات الباقيات تعاهدوا أولادكم وأهليكم مروهم بالصلاة كما قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾( [18]). ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاءنا.